المؤسسات التجارية الراعيةشخصيات لبنانية إغترابية

“السيدة جيهان عكر نصر”: امرأة من بلادي

الإعلام ومن ضمنه وسائل التواصل الاجتماعي ، تسلط الأضواء وتشارك الناس لتبرز أشخاصاً يتعاطون السياسة أو الفن أو الصحة أو التغذية أو الأزياء . لكن هل حدث أن بحثتم عن هؤلاء العقلاء التربويين الذين سبروا أغوار العقول والأخلاق ؟ !
امرأة لبنانيّة لم نرها على شاشات التلفاز ولا على صفحات الجرائد ولا شغلت وسائل التواصل الاجتماعي . وبالرغم من ذلك تشاهدها صورة ، تشاهدها عقلاً ، تشاهدها صخرة ، تسمعها أغنية وأنشودة في أذهان أجيال تتعاقب .
أطلقت منذ بدايات ثمانينات القرن الماضي حملتها التربويّة والفكريّة ، حملة إن قلنا صامتة صدقنا الوصف وإن قلنا حملة مدويّة صدقنا الوصف أيضاً .
السيدة جهان نصر لم تجد أفضل من المدارس لتبثّ مشاعل الفكر والعلم والتطور والتجدّد .
انطلقت في هذا العالم الأكاديمي من مدينة أبوظبي مؤسّسة لمدرسة لا يتخطى عدد طلابها الثلاثمئة ، تواكبهم طالباً طالباً ، وتوجه المدرسات القليلات اللاتي يدرسن في مدرستها .
أخذ عدد الطلاب يتزايد شيئاً فشيئاً ، لا بدّ أنّ المدرسة تحتاج إلى أبنيّة أوسع .
عام 1992 حدث مهم في عالم التربيّة ضجّت فيه مدينة أبوظبي ، أطلقت السيدة جهان نصر اسم مدرسة أبوظبي الدّوليّة . مدرسة تفتح بأكثر من ثمانمئة طالب ، أجل هذا حدث لا يقدم عليه إلا أشخاص طموحون يؤمنون أنّ بناء الإنسان السليم يبدأ على مقاعد الدراسة ، هذا هو إيمانها الأهم ومبدأها وهدفها . ولكي يتحقق هذا الهدف يحتاج إلى مجهودات متشعبة ، العمل ضخم ، لا بدّ من دورات تربويّة وأكاديميّة داخل المدرسة وخارجها . إضافة إلى حاجتها إلى كادر تعليميّ وإداري يملك الاختصاص والخبرة ، فالصفوف الثانويّة تتطلب استحقاقات ، أجل كانت السيدة جهان جاهزة لتلك الاستحقاقات ، ففي السنوات الأولى لمدرسة أبوظبي الدوليّة بدأت طلائع المتخرجين المنطلقين إلى عالم الجامعات والحياة . ونتيجة لهذا التفوّق ولهذه السمعة الطيبة ، بل لتلك التقنيات والأساليب في المدرسة فسح المجال للمدرسة من قبل جامعة كامبردج وادكسيل لأن تطبق أنظمتهما في المدرسة طبعاً إضافة إلى المنهج الأميركي ومناهج AP.أضف أنّ المدرسة كانت قد حصلت عام 1999 على ترخيص عالمي يفسح المجال لطلابنا للانتساب لمختلف الجامعات العالميّة .
وكنتيجة طبيعيّة لهذا الوضع التربويّ المميّز ، ولهذا التنوع في المناهج أصبحت المدرسة مرخصاً لها من قبل جامعة كولدج بورد في واشنطن و ومن جامعة جنيف بورد وبموجب هذين الترخصين الموثقين والمصدقين صارت المدرسة مركزاً لمختلف الامتحانات الدوليّة . وبهذا فسح المجال لطلابنا للانتساب لتلك الجامعات بل لمختلف الجامعات في العالم .
مع بدايات القرن الحادي والعشرين أخذت التقنيات وفي مقدمتها الحاسوب تتوسع وتتعمق ، حقيقة تدهش المتابع لهذه المسيرة التربويّة كيف استطاعت هذه المرأة أن تتخطى الأساليب التقليديّة وتشجع على التعاطي مع الحداثة ، تعاطيها ليس كشخص بل كمؤسسة تحتاج إلى تقنيين واختصاصيين واستشاريين ، فكان لا بدّ للسيدة جهان أن تستقطب هؤلاء جميعاً لأنّ الإنسان العاقل الواعي المتفتح يعي حاجته لهذا الكادر .
وكأنّ في أعماقها أنغاماً لا تتوقف عن العزف ، وفي دماغها طموح لا يسهو ولا يتراجع . ولحسن الحظ أنّ مجتمع أبوظبي يعي تمام الوعيّ ما فيه من مؤسسات متطورة ، تعمل على تطور الإنسان . فشخصيّة فذّة مطّلعة أمثال سمو الشيخ نهيان لابدّ أن يواكب هذه المسيرة ويساندها فهو يعتبر دعمه لمسيرة السيدة جهان دعماً للمسيرة التربويّة في أبوظبي ، فقد عمل هذا الرجل المثالي ليضاف مبنى آخر إلى المدرسة وبالفعل تمّ ذلك ، وكان مبنى مدرسيّاً أصلاً فكوّن مع مبنى الفلل السابقة مدرسة تتسع لألفيّ تلميذ ونيّف .
ما زال اسم مدرسة أبوظبي الدوليّة يتألق بإدارة تلك المرأة التي تحسب أن عمر الإنسان لا يقاس بالسنوات ، بل بالأعمال والنتائج ، تلك المرأة التي لا تنتظر جوائز شخصيّة أو أرباح ماديّة ، بل تنتظر وتنتج أجيالاً من المتعلمين والمتخصصين بمختلف المجالات ، وها هي طلائع هؤلاء المتخرجين يعودون إلى المدرسة التي أسستهم أناساً مميزين طالبين أن يكرروا التجربة الناجحة مع أولادهم .
2عام 2014 حمل معه تحديّاً ضخماً ،الكثافة الطلابيّة لا يمكن أن تستوعبها المباني الموجودة ، فكان لا بدّ من بناء حديث وواسع يتماشى مع الأعداد التي تخطّت المئات إلى الآلاف ويتماشى مع الحداثة ، عندها قررت السيدة جهان الاشراف على بناء مدرسة تواكب الوضع الجديد ، وبالفعل تمّ بناء المدرسة الحاليّة في منطقة محمد بن زايد . وقد استمرّ القيّمون في أبوظبي بدعمها وخاصة سمو الشيخ نهيان .
المسيرة بدأت واستمرت وما زالت وخلال تلك المسيرة الاستثنائيّة الطويلة حقّقت المدرسة والطلاب نجاحات أكثر من أن تحصى بكميّة أو نوعيّة يذكر منها التنوع الدراسي حيث أنّ الطالب يلقى ما يناسبه من المناهج المتعدّدة ، كالنظام البريطانيّ والبكلوريا الدوليّة والمنهج الأمريكي و المنهج AP من هنا توزّع المتخرجون في مختلف الجامعات العالميّة محققين نجاحات وأعمالاً رائعة .
ما ذكر عبر هذه السطور كان مختصراً على الجوانب التربويّة والأكاديميّة وبالتالي كله يصبّ في النواحي الإنسانيّة . ولكن أين السيدة جهان من هذا الإنسان الذي ظلمه القدر بإعاقة ما ؟. لقد تلقته منذ البداية وما زالت تعمل من أجل أن يندمج مع المجتمع . أقامت صفوفاً خاصة واستقدمت أخصائيين ليتفاعلوا معهم . كان الأمر سابقاً محرجاً عند بعض الأهالي وحتى لايهمل أمثال هؤلاء كانت السيدة جهان تزورعائلاتهم وتشرح لهم أنّ حل المشكلة لا يكون بالتخفي بل بالتعلّم والتعوّد على الاندماج مع الآخرين انطلاقاً من إيمانها بأن أمثال هؤلاء بإمكانهم أن يكونوا منتجين بدل أن يكونوا مهملين على هامش الحياة . وبهذا تشمل المدرسة الآن مركزاً لذوي الاحتياجات الخاصة يديره أخصائيون ومجهزاً بمختلف التقنيات اللازمة .
ما يقدّمه المبدعون لتطوير إنسانيّة الإنسان لا يحدد بأرقام وبأعداد ، ولعل جوهر الإنسان الحديث بدأت صياغته في المدارس ، والسيدة جهان آمنت أنّ النجاح الحقيقي والمثمر اجتماعيّاً لا يكون بالمنهاج الدراسي فقط ، بل أساسه يكون بالعلاقة السليمة بين المعلم والطالب ومن هنا كانت هي النموذج الأفضل لتلك العلاقة ، فعملت جاهدة ليشعر الطالب أنه بين أحضان أهله وليس بين أناس غرباء . صدقاً أنّ التلميذ يأتي إلى المدرسة مندفعاً ويتركها متشوقاً .
كذلك المدرسون ، فهي لهم الأم والأخت والصديقة والمرشدة ، هذه الروابط ساعد ت الأستاذ ليكون مرتاحاً نفسيّاً، فيعمل وكأنه صاحب العمل وليس موظفاً . وإذا ذكرنا هذا فنحن نتوقف عند اهتمامها بإحياء جميع المناسبات ، فهي تجهز الطعام شخصيّاً لتكرّم ضيوفها و نقصد المعلمين والموظفين ،فيحيّون ساعات من الفرح والبهجة .
يكفينا الآن هذا القدر مما انتجته هذه المرأة ، متأملين كما عودتنا بنجاحات أخرى .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »