تاريخ الصحافة المحلية والمهجرية

تاريخ الصحافة اللبنانية المحلية والمهجرية (القسم الرابع)

محمد لمع يفتح صندوقة العمر،
(حكايته مع كامل مروة
وخطبة العلايلي من 3 كلمات)
بعيداً عن الأرقام ولغتها وعن الاقتصاد ومادته الجافة، وقريباً من سردية السير الذاتية وجاذبيتها، أجرى الزميل زهير الدبس مقابلة صحافية مع محمد لمع التي سلكت طريقها إليه، فنائب رئيس غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان لم يهبط إلى مبنى الغرفة الكائن في شارع سبيرز بالمظلة، ولم ينتقل إلى ذلك الموقع بالوراثة أو بالتجيير، بل كان طريقه إليه متعرجاً وفيه الكثير من المنعطفات، وكانت مؤونته في رحلته الطويلة هي جسارته على احتمال الصعاب، واختزانه من المثابرة ما يفوق صبره، ووقوده شغف في الوصول لم ينضب.
في مكتبه، سنون عمره ما زال نصفها عالق على الجدران والنصف الآخر في الذاكرة، صور تؤرخ تاريخه بأحداث وعهود وشخصيات ومناسبات، فالتأمل فيها، إبحار في كل الاتجاهات، ومع شروحات الاستاذ محمد، كل منها، يغدو حكاية وقصة، لكن لا يخلو الأمر من حيرة أصابتنا…ماذا ننتقي وبمَ نبدأ؟
في سن مبكرة دخل محمد لمع سوق العمل، ولم يستهوه العمل في التجارة حيث عمل في محل لبيع الأحذية وهو لم يكن تجاوز الثلاثة عشر ربيعاً، أغوته الصحافة وسحره العمل بها، فهي الهواية التي أحبّها منذ الصغر وعشقها في الكبر، ساعدته لغته العربية المتينة وتنبؤ أستاذه جوزيف نعمة في مدرسة المزرعة الرسمية للصبيان في العام 1955 «بأن مستقبله سيكون في الإعلام».. في تلك المدرسة ألقى محمد لمع العديد من الخطابات، فلفتت الانتباه إلى مؤهلاته المنبرية وحسن استخدامه للكلمات والمفردات.
حلمه بالانتقال إلى الصحافة لم ينتظر طويلاً، ففي عمر الـ 15 عاماً بدأ الكتابة لبريد القراء في صحيفتين كانتا تصدران حينها هما «بيروت المساء» للمرحوم عبدالله المشنوق و«السياسة» للمرحوم عبدالله اليافي، والأخيرة كان يرأس تحريرها محمد أمين دوغان، وفيهما نشر مقالاته الأولى، وكان لرؤية اسمه مُذيّلاً تلك المقالات أثراً بالغاً في نفس محمد الذي انتقل بعدها في العام 1959 إلى العمل الفعلي في الصحافة، عندما اصطحبه الدكتور المرحوم محمد علي الرز الذي كان نائباً لرئيس حزب النجادة إلى الصحافي الراحل كامل مروة صاحب ورئيس تحرير جريدة “الحياة” حينها، فشكّلت تلك الزيارة صفحة أساسية في حياة محمد لمع.
اللقاء مع مروة بحضور الرز كان محورياً بالنسبة للمع وهو لم يخلُ من المشاعر الأبوية، وفيه قال مروة له: «بعدك ولد.. كاتب شي؟ ناشر شي؟». فأجابه لمع «نعم لدي مقالات نشرتها في صحف عدة». وأبرز مقالاته لمروة، فعلّق عليها الأخير «هالمقالات إلك أو حدا كاتبلك ياهن؟» فرد لمع بشكل حازم «لا ما حدا كاتبلي ياهن.. هيدي المقالات لإلي أنا كاتبها». حينها رد مروة موافقاً على عمل لمع في «الحياة» مشترطاً عليه البدء في قسم التصحيح، بغية التمرُّس أكثر على اللغة وعلى الأسلوب الصحافي.
عن تلك المرحلة يقول لمع: «تاريخ بدئي العمل في جريدة الحياة لا أنساه وهو كان في العشرين من آب من العام 1959 وقد استمر حتى العام 1975. ويتابع «عملت لأكثر من سبعة أشهر في قسم التصحيح إلى أن أرسل في طلبي مروة قائلاً لي: «ستبدأ بالنزول إلى بلدية بيروت وإلى مبنى وزارة المالية لتكون مندوباً للجريدة في هاتين المؤسستين الرسميتين مصحوباً ببطاقة تعريف كمندوب لـ «الحياة» هناك»، وهكذا حصل فبدأ لمع عمله. وعن تلك الفترة يقول «كان رئيس بلدية بيروت حينها أمين بيهم والمحافظ هو نقولا رزق الله، فكنت أبدأ عملي في «البلدية» متنقلاً بين طبقاتها مستطلعاً أمورها وشؤونها، وعندما كنت أنجز أعمالي فيها أنتقل إلى «المالية» وأقوم بالعمل نفسه حتى كسبت ثقة الجميع في «البلدية» و«المالية»، وهناك تعرّفت على العديد من الشخصيات التي كان لها وزنها في البلد أمثال وزير المالية حينها عثمان الدنا الذي كانت تربطني به علاقة صداقة متينة والدكتور خطار شبلي الذي كان رئيساً لمصلحة الموازنة والدكتور زكي مزبودي الذي كان رئيساً لمصلحة الواردات وأندريه تويني الذي كان مديراً عاماً للمالية وغيرهم». يتابع لمع «في المساء كنت أعود إلى الجريدة محملاً بالأخبار الخاصة غير المعروفة، الأمر الذي زاد من رصيدي الصحافي وعزّز موقعي في العمل».
عمل لمع تزامناً مع عمله في «الحياة» في سبع مؤسسات.. وصل الليل بالنهار وعندما كان ينام أربع ساعات يشكر ربه على تلك النعمة. من «الكفاح العربي» إلى «الأحد» و«المحرر» و«الأوريان لو جور» و«الدايلي ستار» وصولاً إلى «وكالة أخبار لبنان» و«وكالة الأوريون برس» مع رؤوف أبو زكي.
تنقل لمع بين أقسام «الحياة» بسرعة، ساعدته في ذلك، علاقاته التي كانت تنمو باضطراد يوماً بعد يوم، فتم تعيينه رئيساً للقسم الاقتصادي وهو في سن صغيرة، وقد كتب له حينها كامل مروة «إلى ولدي المدلّل محمد لمع». ويقول لمع إن «الحياة» حينها كانت الأقوى بين الصحف توزيعاً وانتشاراً، لأنها كانت تصل إلى أميركا وتدخل الأسواق العربية من دون مراقبة وكانت تضم نخبة الصحافيين في البلد أمثال جاكلين نحاس، محمد حوماني، باسيل دقاق، جورج شامي، راجح الخوري، هنري حاماتي، رفيق المعلوف وعرفان نظام الدين، حيث كنا نشكّل عائلة واحدة متكافلة ومتضامنة الكل يكن المحبة والمودة للآخر.
ويذكر لمع أن المرحوم غسان تويني طرح على مروة في أكثر من مرة الدمج بين جريدتي «الحياة» و«النهار» لكن مروة لم يوافق. وأشار إلى أن عروضاً كثيرة انهالت على مروة لكي يكون وزيراً أو نائباً لكنه كان يرفض ذلك، قائلاً «لا أريد لا وزارة ولا نيابة اتركوني في جريدتي». وقال لمع أن معظم شخصيات البلد كانت تزور مكاتب «الحياة» منهم كميل شمعون وشارل مالك والإمام الصدر وعادل عسيران. ويتذكر لمع سيارة الرئيس صائب سلام التي كان يرفرف عليها العلم اللبناني وتحمل لوحتها الرقم 3 وهي تقف أمام مبنى الجريدة لينزل منها «صائب بيك».
عن كامل مروة يقول لمع «كان قامة إعلامية كبيرة وتوجيهاته لنا كانت التحذير من اللعب في الخبر، أما الرأي فنحن أحرار فيه». يتابع «كان يأتي إلى الجريدة الساعة الثانية بعد منتصف الليل فيعدل المانشيت ويعاود كتابة الافتتاحية تبعاً للأحداث الحاصلة».
ويروي لمع إحدى الصدف التي حصلت معه في العام 1961 وهي عندما حضر مروة في الرابعة صباحاً بسبب انقلاب حصل في سوريا وكان الخطاط غائباً، فغير مروة المانشيت لتصدر«الحياة» في اليوم التالي بخط محمد لمع الذي يتمتع بخط جميل، والسبب في ذلك هو أن مروة أرسله ليتعلم الخط عند الخطاط كامل البابا الذي تلقى على يديه أصول الخط ومن ثم تابع ذلك لدى الخطاط فريد عنداري.
في عمله مسؤولاً لقسم الاقتصاد في «الحياة» نسج لمع علاقات عديدة وكثيرة منها مع الشيخ بطرس الخوري ورفيق الغندور وعبدالله خوري، وأيضاً مع الشيخ عبدالله العلايلي، وعن الأخير يقول «ربطتني صداقة مع العلايلي من خلال مقابلات أجريتها معه، فكنت أقرأ له وأعرض عليه ما أكتب. وتشاء الصدفة أن دُعينا لمناسبة تأبين شهيد، فطلبت منه أن يُلقي كلمة في الحفل وكان برفقة طلال سلمان فصعد إلى المنبر وقال: «ما عرفته إلا شهيداً.. وكفى» في الإشارة إلى أن العلايلي لم يكن يعلم شيئاً عن الشهيد.
عن حادثة اغتيال مروة في مكاتب «الحياة» يقول لمع: «كان يوم إثنين وكنا قد أنهينا اجتماع التحرير نهاراً وانصرف مروة بسبب انشغاله في حفل عشاء على شرف الرئيس السنغالي ليوبولد سنغور في القصر الجمهوري الذي كان سيقام مساءً، وقال مروة بعده «سأسافر لمدة عامين وسأجول العالم»، وعيّن مكانه متابعاً لأعمال الجريدة أكرم زعيتر الذي أصبح رئيساً للديوان الملكي في الأردن ووزيراً للخارجية. يتابع لمع: «في المساء اتصل أحد مدبري عملية الاغتيال طالباً من مروة الحضور بسبب أمرٍ ما، فما كان من مروة إلا أن توجه إلى مبنى الجريدة، فقام بتغيير المانشيت وببعض الأمور استعداداً للصعود إلى القصر الجمهوري». يتابع لمع: «في ذلك الوقت كنت أنا خارج الجريدة لاستلام رسالة مراسلنا في عمان التي بعث بها مع السيدة آسيا الخرسا. فعدت إلى الجريدة لأجد الشرطة وسيارات الإسعاف أمام مبنى الجريدة، ثم عرفت أن المرحوم كامل مروة قد قضى اغتيالاً على يد عدنان سلطاني الذي كان يزور الجريدة يومياً ويلتقي مروة في مكتبه وذلك بالاشتراك مع عامل الهاتف في الجريدة محمود الأروادي، الذي كان يرصد تحركات مروة لحظة بلحظة. وهكذا قضى مروة في 16 أيار من العام 1966 عن عمر ناهز 52 عاماً».
بالإضافة لعمله في «الحياة» تولى لمع تحرير مجلة «غرفة التجارة والصناعة والزراعة في بيروت وجبل لبنان» بدءاً من العام 1963 حيث عمل أيضاً مستشاراً لرئيسها حينها كمال جبر إلى أن أصبح عضواً في مجلس الإدارة في العام 1992 وصولاً إلى نائب رئيس في العام 1996 وحتى الآن.
أنسي لويس الحاج – شاعر لبناني معاصر
ولد أنسي الحاج عام 1937والده الصحافي والمتّرجم «لويس الحاج» وأمه «ماري عقل»، من قيتولي، قضاء جزّين..نلقّى علومه في مدرسة الليسه الفرنسية ثم في معهد الحكمة.
بدأ ينشر قصصاً قصيرة وأبحاثاً وقصائد منذ 1954 في المجلّات الأدبية وهو على مقاعد الدراسة الثانوية، ودخل الصحافة اليومية ب(جريدة «الحياة» ثم «النهار») محترفاً عام 1956، كمسؤول عن الصفحة الأدبية. ولم يلبث أن استقر في «النهار» حيث حرّر الزوايا غير السياسية سنوات ثم حوّل الزاوية الأدبية اليومية إلى صفحة أدبية يومية.
عام 1964 أصدر «الملحق» الثقافي الإسبوعي عن جريدة النهار وظلّ يصدره حتى عام 1974. وعاونه في النصف الأول من هذه الحقبة شوقي أبي شقرا. عام 1957 ساهم مع يوسف الخال وأدونيس في تأسيس مجلة شعر وعام 1960 أصدر في منشوراتها ديوانه الأول «لن»، وهو أول مجموعة قصائد نثر في اللغة العربية.
له ستّ مجموعات شعرية: «لن» 1960، «الرأس المقطوع» 1963، «ماضي الأيام الآتية» 1965، «ماذا صنعت بالذهب ماذا فعلت بالوردة» 1970، «الرسولة بشعرها الطويل حتى الينابيع» 1975، «الوليمة» 1994، وله كتاب مقالات في ثلاثة أجزاء هو «كلمات كلمات كلمات» 1978، وكتاب في التأمل الفلسفي والوجداني هو «خواتم» في جزئين 1991 و1997، ومجموعة مؤلفات لم تُنشر بعد. و«خواتم» الجزء الثالث قيد الإعداد.
تولّى رئاسة تحرير العديد من المجلات إلى جانب عمله الدائم في «النهار»، وبينها «الحسناء» 1966 و«النهار العربي والدولي» بين 1977 و1989.
نقل إلى العربية منذ 1963 أكثر من عشر مسرحيات لشكسبير ويونيسكو ودورنمات وكامو وبريخت وسواهم، وقد مثلتها فرق مدرسة التمثيل الحديث (مهرجانات بعلبك)، ونضال الأشقر وروجيه عساف وشكيب خوري وبرج فازليان.
تُرجمت مختارات من قصائده إلى الفرنسية والإنكليزية والألمانية والبرتغالية والأرمنية والفنلندية. صدرت أنطولوجيا «الأبد الطيّار» بالفرنسية في باريس عن دار «أكت سود» عام 1997 وأنطولوجيا «الحب والذئب الحب وغيري» بالألمانية مع الأصول العربية في برلين عام 1998؛ الترجمة الأولى أشرف عليها وقدّم لها عبد القادر الجنابي والأخرى ترجمها خالد المعالي وهربرت بيكر.
سمير عطا الله.
سمير عطالله صحافي وكاتب لبناني، عمل وتولّى مسؤوليّات في “النهار” و”الأسبوع العربي” و”الصياد” اللبنانية، وفي “الأنباء” الكويتية. وهو يكتب في “الشرق الأوسط” منذ العام 1987. له مؤلّفات أدبية منها مسافر بلا ميناء، ومسافات في أوطان الآخرين، وناس ومدن، وأوراق السندباد، وقليل من الجغرافيا كثير من التاريخ، ويمنى، كما له بالإنكليزية سنوات القرية.
يكتــب زاويــة يوميــة في “الشرق الأوسط” منذ 1987، ومقــالاً في صفحـة الـرأي كل خميــس. و عشــر مؤلفــات في التــاريخ والروايــة والسفـر.وعمل مراســلا لـ النهـار في أوروبــا والأمـم المتحدة، وعمل في الكــويت مديــراً لتحريــر ” الأنباء”،
متزوج وله ولــدان وبكــره يدرس الاقتصــاد في الجامعــة الأميركيــة في بيــروت. عـاد إلى لبنــان واستقر بعد أن أمضى عقود في كندا وباريس ولندن. وسافــر حـول العالـم، شرقــاً وغربــاً، وقابــل سياسيين وزعمــاء كثيرين.
حسين حب الله
“لم يكن يعلم أنّ حلم التحصيل الجامعي في بلاد العم سام سيأخذه إلى غربة طويلة شارفت على الثلاثين عاماً في كندا بعد انتقاله إليها بهدف تأسيس حياة جديدة بعيداً عن الحروب في بلادنا ومآسيها.
هو حسين حب الله ابن منطقة «كفر ملكي»- اقليم التفّاح، الذي حطّ رحاله في كندا في العام 1988 عاملاً على أراضيها بكلّ ما تيسّر، حتّى استطاع أن يؤسّس عمله الخاص في تصنيع اللحوم المبرّدة وتوابعها إلى جانب إصدار جريدة «صدى المشرق» التي تُعنى بنقل أحداث وأخبار لبنان إلى أبناء جاليتها في كندا..
عن بداية انطلاقة الجريدة وأهدافها، قال بحنين لا يشبه شيئاً ممّا تعوّدناه:
وصلت إلى كندا وكانت الحرب في أوجها في لبنان، فعانيت الأمرَّين لجهة الغربة المرّة مرّة، والافتقار إلى وسائل إعلام تخبرنا عن ما الذي يحدث في بلادنا مرات أخرى، ولا سيّما في مرحلة الاحتلال الاسرائيلي والقصف الذي كان يتعرّض له جنوبنا يومها، فقرّرت إصدار جريدة تُعنى بنقل أخبار لبنان إلى أبناء جاليته في كندا عامّة والجنوب خاصّة دون إغفال نقل أخبار دول عربيّة أخرى، ولا أنكر أنّ الجريدة لاقت أصداء واسعة وساهمت في طمأنة العديد منّا على أهلهم في لبنان.
تحرّر الجنوب واختصاص نقل أخبار لبنان لا بدّ من تغيير وجهته، وهنا كان التوجّه نحو الاعتناء بأخبار الجالية اللبنانيّة تحديداً والجاليات الأخرى بما تيسّر، فكانت النشاطات على أنواعها الفكريّة، الثقافيّة والدينيّة، هدفاً أرصده في جريدتي التي بدأتها شهريّة وسرعان ما تحوّلت نصف شهريّة لحاجة أبناء الجالية لمتابعة أخبار ونشاطات أترابهم في كندا.
ثم توسّعت اهتمامات الجريدة اليوم، وبات لدينا مراسلة معتمدة في لبنان تنقل أخبار الجالية اللبنانيّة- الكنديّة التي عادت إلى الديار». وهي اهتمامات «رمزيّة» نسبة إلى ما نبغيه، لكنّها تبقى فرديّة لأنّها تفتقد الدّعم المادّي ما يجعل الإعلام محصوراً وأحياناً كثيرة مكسور الجناح».
عن امتيازات جريدته قال:
تصدر «صدى المشرق» بثلاث لغات، ويتراوح عدد صفحاتها ما بين 20 و36 صفحة وتوزّع حوالى 10 آلاف نسخة وفق حاجة السوق، وكوني ملتزماً دينيّاً، تأخذ جريدتي الطابع الالتزامي في تغطية نشاطاتها التي تتنوّع بين المؤتمرات الطبيّة والاجتماعيّة والثقافيّة والجالياويّة.
يعمل في الجريدة عدد من المتطوّعين باستثناء متفرّغ واحد، تُطبع في مونتريال وتوزّع فيها وفي وأوتاوا وضواحيهما بعد أن حُجبت عن العديد من المناطق الأخرى لاعتبارات ماديّة بحتة.وبصراحة، نحن نعتمد على عائدات الإعلانات في تغطية مصاريف الجريدة، ما من دعم مادّي من أي جهة كانت، فالإعلام في كندا لا يُطعم خبزاً ولا يسمح بعيش حياة كريمة، وبالتالي على كلّ مالك جريدة أن يؤسّس لعمل آخر حتّى لا يموت من الجوع» (يقولها ضاحكاً)!!
الوطن.. وحلم العودة
يحبّ السيد حسين حب الله لبنان كثيراً، وسجّل أولاده الخمسة في دوائره وبالتالي هم يحملون الجنسية اللبنانية، كما يقوم بزيارة والده مرتَين في العام على الأقل، لكنّه ومع هذا، لا يحلم بالعودة إطلاقاً، أقلّه على المدى المنظور، وفي هذا السياق قال:
أنا لبناني بامتياز، لديّ أعمالي وحياتي الخاصّة هنا، لكن لو بقيت في بلادي هل كنت لأكون على ما أنا عليه اليوم؟ بالطبع لا!! فهذا حلم طبعاً».
عن مشاركته في الانتخابات النيابيّة في كلّ من لبنان وكندا، قال:
لم تسنح لي الفرصة للمشاركة في الانتخابات النيابيّة اللبنانيّة. أمّا في كندا فأشارك دائماً كما أشجّع أولادي على الانتخاب وبالتالي على العمل السياسي والترشّح حتّى يتفعّل دورنا ويصل صوتنا ومشاكلنا إلى داخل البرلمان الكندي.
خليل بك نصر
كما سرى حب الوطن في دم خليل بك نصر منذ الصغر، كذلك تعلّق بالصحافة منذ ان كان فتى. في العشرين من عمره ترك لبنان الى مدينة حيفا حيث عمل هناك في الطباعة والصحافة، واستطاع ان يؤسس اول جريدة اسبوعية بالتعاون مع باسيلا الجدع واطلقا عليها اسم “جراب الكردي” ولم يلبث ان اصبح الاسم “الاردن” وكانت الجريدة الوحيدة في فلسطين في العهد العثماني.
بعد اعلان الثورة العربية الكبرى، وضع قلمه وجريدته في خدمة الثورة. وبعد الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان بدأ بمقاومة هذا الاستعمار. وكانت حماسته شديدة لقيام الامارة الاردنية الفتية، فطلب الامير عبدالله منه ان ينقل جريدته ومطبعتها الى عمان وقد صدر عددها الاول فيها عام 1926 وأحاطه الامير بالعناية والرعاية حتى انه كان يشارك في الجريدة بقلمه.
صدرت جريدة “الاردن” في اول الامر اسبوعية ثم اصبحت تصدر مرتين اسبوعياً وحتى نهاية عقد الاربعينات. وبعد وفاته حولها ابناؤه جريدة يومية واستمرت في الصدور حتى عام .1982 وكما كان رائد الصحافة في الاردن، كذلك كان اول من أدخل مطبعة غير رسمية اليه، صدر عنها عدد كبير من الكتب الثقافية والسياسية ابرزها كتاب “الامالي السياسية” للامير عبدالله وكتاب الائمة من قريش لمصطفى وهبي التل عام1939 ونظراً لصدق ولائه منحه امير البلاد وسام الاستقلال عام 1937.
السيد رزق الله حلبي – تمثال المغترب
السيد رزق الله حلبي مؤسّس مجلّة قب الياس البقاع، نادى منذ أكثر من نصف قرن بإقامة تمثال للمغترب اللبناني. وقد أوحى له خياله الواقعي تصميماً لهذا التمثال المؤلّف من شخصَين: الأوّل يمثّل شاباً بثيابه القديمة المعروفة واقفاً مقابل شاطئ البحر وعيناه تنظران إلى الأمام متقدتان بالحماسة والهمّة والإقدام. والثاني يكون ظهره ملاصقاً لظهر التمثال الأوّل، وتكون ثيابه “افرنجيّة” ووجهه إلى لبنان وظهره إلى البحر، يحمل حقيبة كبيرة منتفخة بالأصفر الرنّان بيد، وعصا باليد الثانية، وقد رجع إلى وطنه الذي لم ينسه، ليعمّره..
وقد أجاد الفنّان القب الياسي الراحل رشدي مرهج في تحقيق هذه الفكرة، فرسم اللوحة كما تخيّلها رزق الله حلبي.
نوّه رئيس تحرير مجلّة قب الياس القس موسى قرداحي في افتتاحيّة مجلّة قب الياس- عدد شباط 1941 وتحت عنوان :”نداء الوطن إلى أبنائه المهاجرين”، وتحديداً في القسم الأوّل من الافتتاحيّة، بـ “نادي المهاجرين في بيروت” الذي أسّسه بعض المغتربين العائدين إلى العاصمة بيروت، بهدف “خدمة لبنان بما اكتسبوه من ثروة وعلم وخبرة”، إضافة إلى “خدمة المهاجر العائد في كلّ ما يلزمه من مساعدة ليكون صلة بين اللبناني المقيم والمهاجر:
إدارة المهاجرة
كتب فليكس فارس في العدد 12 من مجلّة قب الياس، الصادر في تشرين الأوّل 1937، عن “إدارة المهاجرة” حيث أكّد أنّ “أوّل مَن فكّر في إنشاء إدارة المهاجرة إنّما كان صديقي ابراهيم سليم النجّار، وذلك في سنة 1902″. أضاف عن دوره هو في تفعيل فكرة الصحافي الكبير النجّار.
وفي سنة 1920 قمت برحلة في بلاد المهجر لدرس أحوال إخواننا النازحين، فرأيت أن لا بدّ من تأسيس إدارة للمهاجرين في الوطن تتولّى المحافظة على حقوقهم راحلين ومقيمين وعائدين، وعرضت فكرتي في ذلك الحين على حضرة الجنرال غورو”.
والجدير ذكره أنّ فارس أبحر إبّان الانتداب الفرنسي مع الفنّان الزحلاوي جان الدبس إلى نيويورك، وخطب في مهرجانات اغترابيّة إلى جانب جبران ونعيمة وغيرهما من أعضاء”لجنة تحرير سوريّا وجبل لبنان” الذين كانوا في الوقت نفسه مسؤولين وأعضاء في “الرابطة القلميّة” الأدبيّة.
غسان تويني
لقب غسان تويني، الذي توفي اليوم الجمعة 8 حزيران 2012، عن 86 عاماً بـ”عملاق الصحافة العربية” بسبب عراقة صحيفة “النهار” التي تملكها عائلته والتي خرجت أجيالاً من الإعلاميين وأرّخت لعقود من أحداث المنطقة.
وغالبا ما فضل غسان تويني الصحافة على السياسة التي أتقنها وتميّز فيها بتجرده وترفّعه عن المصالح الخاصة الصغيرة. إنتمى غسان تويني إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي، وتبادل الرسائل مع أنطون سعاده، ونُشرت رسائل سعاده إليه عام 1958 في كتاب عنوانه “شُروح في العقيدة”.
كان غسان تويني مناضلاً لم ترحمه الدنيا، لكنها لم تنل منه. ولعلّ الضربة الأقسى التي تلقّاها كانت العام 2005 عندما اغتيل نجله النائب والصحافي جبران تويني في تفجير سيارة مفخخة، فخسر بذلك آخر فرد من أفراد عائلته الصغيرة.
ويروي صحافيون في النهار ان غسان تويني الذي كان في باريس يوم مقتل ابنه وعاد في الليلة نفسها الى بيروت، اتصل بفريق التحرير ليملي عليهم عنوان الصفحة الأولى في اليوم التالي، وهو العنوان الذي صدرت فيه الصحيفة على ثمانية أعمدة “جبران لم يمت والنهار مستمرة”.
بالقوة نفسها، وقف تويني في مأتم ابنه يدعو الى التسامح والتعالي عن الأحقاد.
وقال في الكنيسة “أحسست ان هذه الجريمة التي طالت ابني، ومزّقت كامل جسده، هي تحديداً جريمة تطال صورة الله. الله الذي خلق الانسان على صورته تمّ الاعتداء عليه مباشرة”. وبعد ان كان سلّم إدارة جريدة النهار الى جبران تويني، لينصرف الى مؤلفاته وتقاعده، عاد وتسلّمها بحماس سنوات الشباب وبشغف المهنة ذاته.
وبعد ان كان ابتعد عن السياسة، عاد وقبِل، تحت ضغط محبّيه والأوساط السياسية والشريحة الشعبية الواسعة الوفية لعائلته، بان يصبح نائباً في البرلمان للمدة المتبقية من ولاية ابنه والتي جاوزت الثلاث سنوات، وذلك من ضمن فريق 14 آذار الذي كان يشكل الأكثرية النيابية والوزارية في حينه.
ثم عاد وسلّم الأمانة مجدَّداً في الجريدة والبرلمان الى حفيدته نايلة تويني، ابنة جبران.
عُرف غسان تويني بسعة علمه وثقافته ودبلوماسيته ومواقفه المستقلة، وان كان شكل في بعض الحقبات جزءاً من ائتلافات سياسية معينة.
هو ابن عائلة أرثوذكسية عريقة من الأشرفية شرق بيروت. ولد العام 1926. في عام 1945، تخرّج من الجامعة الأميركية في بيروت في الفلسفة. حصل على ماجستير في العلوم السياسية من جامعة هارفرد في الولايات المتحدة.
دخل البرلمان وكان لم يبلغ الخامسة والعشرين. وشغل مناصب وزارية مهمة. وكان مندوب لبنان الدائم في الأمم المتحدة في نهاية السبعينات وبداية الثمانينات في أوقات عصيبة تخلّلها خصوصاً اجتياحان إسرائيليان. وينظر اليه على نطاق واسع على انه “عرّاب” القرار 425 الصادر عن مجلس الامن الدولي في 1978 والذي دعا إسرائيل الى الانسحاب من لبنان، الأمر الذي لم ينفذ حتى العام 2000.
من أبرز مؤلفاته “اتركوا شعبي يعيش” في 1984، و”حرب من أجل الآخرين” عن الحرب الأهلية اللبنانية في 1985، و”سرّ المهنة وأسرار أخرى” في 1995.
أما كتابه الأخير فحمل عنوان “لندفن الحقد والثأر، قدرٌ لبناني”. وقد صدر باللغة الفرنسية بالتعاون مع الكاتب الفرنسي جان فيليب دو توناك، وهو عبارة عن سيرة ذاتية تروي محطات مهمة من حياة الصحافي والسياسي والدبلوماسي والإنسان.
كتب غسان تويني آلاف الافتتاحيات في صحيفة النهار، وكلفه بعضها دخول السجن بسبب جرأته ومواجهته السلطات في عزّ نفوذ ما كان يعرف بـ”المكتب الثاني” (استخبارات الجيش) في الحياة السياسية على الدولة في الستينات والسبعينات.
وسرّبت جريدة النهار بنود اتفاق القاهرة الشهير السرّي بين لبنان ومنظمة التحرير الفلسطينية، ما أحدث هزّة في الساحة اللبنانية، وتسبّب مرةً أخرى بسجن رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحرير غسان تويني العام 1973، بتهمة “إفشاء أسرار الدولة”.
تركت السنوات آثارها على وجهه، الا انه ظلَّ يطلُّ عبر محاضراتٍ او حلقاتٍ تلفزيونية خاصة او منتديات ثقافية، بشعره الأبيض ونظارتيه الكبيرتين وسيجارته، وصوته الهادىء الواثق، يروي خبرات حقبةٍ واسعة من تاريخ لبنان الحديث.
جاهر غسان تويني بإيمانه المسيحي. الا انه آمن، كما كتب، بان “جوهر لبنان الرسالة هو الديمقراطية التي يجب ان يكون عاصمتها… أي الا يستوطنه الإرهاب، ولا تتخمّر في أرضه الأصوليات أيّاً تكن، مسيحية كانت أم إسلامية لا تمييز”.كما دعا الى عروبة الحداثة والتجديد والانفتاح.
تزوّج غسان تويني في الخمسينات من الشاعرة ناديا تويني، متحدياً وإيّاها كل التقاليد والأعراف، كونها متحدّرة من عائلة درزية عريقة من جبل لبنان. ورُزق الزوجان بثلاثة اولاد: “نايلة” التي توفيت في السابعة إثر إصابتها بالسرطان، و”مكرم” الذي قضى في حادث سير في فرنسا وهو في ربيع العمر، وجبران الذي كان في الثامنة والأربعين عندما قُتل.
اما ناديا، فقد توفيت بعد أربع سنوات من وفاة ابنتها بالمرض ذاته. وتزوج غسان تويني مرة ثانية من شادية الخازن.
إنتمى غسان التويني إلى الحزب السوري القومي الإجتماعي وتبادل الرسائل مع أنطون سعاده وجُمعت رسائله إلى سعاده في كتاب “شروح في العقيدة” صدر عام 1957.
سعيد فريحة “امبراطور الصحافة اللبنانية”
ولد سعيد فريحة في بيروت العام 1912، وانتقل باكراً الى حماة مسقط رأس والدته مريم، بسبب انتشار المجاعة، حملت الأم أولادها وانطلقت سيراً من برج حمود وعند وصول الموكب الى تل كلخ، تصدى له أحد الرعيان بدافع السرقة، فتصدت له الوالدة فغرس خنجره في كتفها وانتهى المشوار بوفاتها.
هكذا فقد سعيد فريحة والدته وشقيقه الأصغر ووجد نفسه مسؤولاً عن اعالة نفسه وشقيقتيه الطفلتين وهو ما زال في العاشرة من عمره، وكان يومها اميا، كما تقول بطاقة الهوية الخاصة به، إلا انه لحق الحرف، وكتب منذ ان كان فتى وأصبح محرراً في صحيفتي “الراصد”و”التقدم” في حلب حيث تنبأ له شيخ الصحافة شكري كنيدربالنجاح.
من حلب، راسل سعيد فريحة “القبس” الدمشقية وصحيفة “الأحرار” البيروتية، ثم عاد الى مسقط رأسه موزعاً نشاطه على “الأحرار” و “الحديث” و “الصحافي التائه”، و أسس بعدها مجلة “الصياد” في العام 1943 ، ومع بزوغ فجر الاستقلال صدر العدد الأول من المجلة في كانون الأول (ديسمبر) واحتل الغلاف رسم كاريكاتوري بريشة الرسام خليل ظهر فيه رئيس الوزراء السوري سعدالله الجابري ماشيا الى جانب نظيره اللبناني رياض الصلح و هو يقول “بلاقيك سبقتني ، على مهلك شوي”.
اتخذ مؤسس “الصياد” مكتباً له في غرفة صغيرة في بناية “الصمدي” الى جوار مكاتب جريدة “الحديث” وظل هذا المكتب تابعاً للمجلة حتى بعد تأسيس “دار الصياد” في الحازمية.
في بداياتها كانت “الصياد” مؤلفة من 24 صفحة تم توسع العدد إلى 32 صفحة، وقد انتقلت طباعتها الى “دار الهلال” في القاهرة في 6 تموز سنة 1948 مع بقاء مركز التحرير في بيروت، وذلك لضرورات فنية.
تميزت ” الصياد ” بلغتها كما تميزت بطباعتها، وكان أبرز نجومها رسام الكاريكاتور خليل الذي ابتدع شخصية العم أبو خليل، رمز الشعب اللبناني. وكانت انطلاقتها لبنانية عروبية في عهد السيادة والعزة والاستقلال. شقت المجلة طريقها بقوة، ووجه صاحبها انتقادات لاذعة الى أسرة الرئيس بشارة الخوري في الفترة الممتدة من 1946 الى 1947، فهاجم شقيق لرئيس الملقب ” بالسلطان” والأسرة الحاكمة بقسوة وتهور، فصدرت مذكرة باعتقاله، ودخل السجن،وظهرت صوره في الصحافة وراء القضبان.
تحول سعيد فريحة الى نجم من نجوم الصحافة، وشيد دار الصياد عام 1954 في الحازمية وجهزها بمطبعة كاملة تعمل بسرعة 3500 نسخة في الساعة، وصدرت المجلة بستين صفحة.
انتهى فريحة من تأسيس الدار، ويمكن القول أنها أجمل وأحدث دار للصحافة في الشرق، وربما في الغرب. حوت مجلة “الصياد”، طويلاً، باباً اجتماعياً فنياً حمل عنوان “شبكة الصياد”، وفي العام 1956 استقل هذا الباب، وبات مجلة باسم “الشبكة”، صدر العدد الأول منها في 30 كانون الثاني، وزينت غلافها الأول صورة لسيدة الشاشة العربية “فاتن حمامة”.
بعد ” الشبكة” أصدر سعيد فريحة صحيفة “الأنوار” اليومية في 25 آب/أغسطس في العام 1959 وترأس تحريرها، في حين شغل منصب مدير التحرير هشام أبو ظهر.
نجحت “الشبكة” كما نجحت ” الأنوار” بسرعة الصاروخ وحقق مؤسسها شهرة واسعة في عالم الصحافة اللبنانية والعربية.
على هامش العمل الصحافي، أنشأ سعيد فريحة فرقة الأنوار في العام 1960، وسعى الى أن يجعل منها فرقة تحمل لواء الفن الشعبي اللبناني. وأعلن في العام 1973 عن ولادة مؤسسة سعيد فريحة للخدمات العلمية والاجتماعية، وهدفت هذه المؤسسة بالدرجة الأولى الى تقديم المساعدات المالية للعاملين في حقل الصحافة، كما عمدت الى تقديم “الجوائز والمنح لأهم إنتاج أو بحث أو دراسة أو نشاط يخدم المصلحة العامة”. وفي العام 1973 باشر سعيد فريحة تشييد مبنى جديد للدار وفق أحدث الأسس العصرية، وفي ذروة هذا النجاح اشتعلت الحرب الأهلية في لبنان وباتت “دار الصياد” في قلب العاصفة بسبب موقعها الجغرافي، وتعرضت مكاتبها في الحازمية لإصابات متعددة من كل الجبهات المتقاتلة، حاول سعيد فريحة أن يتجاوز هذه المحنة بصعوبة، ولكن المفاجأة كانت عندما كان سعيد فريحة متواجداً في دمشق يلاحق أحدث المستجدات الصحافية والسياسية، حين أصيب بذبحة قلبية نقل على أثرها الى مستشفى المؤاساة حيث فارق الحياة في المساء وكان ذلك في 11 آذار/ مارس 1978 عن عمر يناهز الـ 66 عاماً.
إن سيرة سعيد فريحة هي سيرة فتى لم يرث من الحضارة شيئاً، جاء من أميته الى تثقف عاند به القدر ليحتل مكانة كبيرة في صحافة العرب. ولما نحت الحرف بين أصابعه فصيحاً مبيناً، متيناً كمتن جبل لبنان، سهلاً كسهول سوريا، أعطى لكل المشرق ما أعطى، أعطى أولاً بعضاً من دمه، لما سجنه الأجانب فيما كان يناضل مع أحرار الشام، فيما كان قلبه راسخاً على هذا الجبل في حس مشرقي على مدى الأفق واللبنانية تنمو في رحابتها وانفتاحها وحبها.
فقدت “دار الصياد” روحها مع رحيل مؤسسها كاتب الثورة والاستقلال، وها هي تقفل أبوابها في زمن كثر الحديث فيه عن نهاية الصحافة في لبنان.
طلال سلمان
بدأت مسيرته الصحافية في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، وهو “واحد من متخرجي بيروت، عاصمة العروبة”، كما وصف نفسه في سيرته.
عمل مُصححاً في صحيفة النضال، فمراسلاً صحافياً في صحيفة الشرق، ثم محرراً فسكرتيراً للتحرير في مجلة الحوادث، فمديراً للتحرير في مجلة الأحد. في خريف عام 1962، ذهب إلى الكويت ليصدر مجلة دنيا العروبة عن دار الرأي العام، لصاحبها عبد العزيز المساعيد. لكن الرحلة لم تطل أكثر من ستة أشهر، عاد بعدها إلى بيروت ليعمل مديراً لتحرير مجلة الصياد ومحرراً في مجلة الحرية، حتى تفرغ لإصدار “السفير” في 26 مارس/آذار 1974.
أصدر طلال سلمان العدد الأول من صحيفة السفير التي حملت شعار “صوت الذين لا صوت لهم” و”جريدة لبنان في الوطن العربي وجريدة الوطن العربي في لبنان” بعد جهد مكثف ومشاورات كثيرة، وبدعم من معمّر القذافي (1942 ــ 2011) حينها، وتضمن مقابلة مع ياسر عرفات (1929 ــ 2004).
كانت “السفير” مختبراً مهماً للأفكار والآراء، وطوال أكثر من 40 سنة، اشتعلت فيها مجادلات فكرية وسياسية، ما كانت لتنتهي البتة، وفيها تلاقحت خلاصاتٌ شتى لتجارب فكرية وثقافية عربية ولبنانية، الأمر الذي جعلها تجربة نادرة في الصحافة العربية.
طلال سلمان … القلب الأبيض والورق الأسمر
حملت صفحات “السفير” منذ الأعداد الأولى أسماء لامعة في الفكر العربي المعاصر وفي الأدب العربي الحديث معاً، أمثال ياسين الحافظ وعبد الرحمن منيف وعصمت سيف الدولة وسعد الله ونوس وطارق البشري ورفعت السعيد وعبد الرحمن الخميسي وكلوفيس مقصود وغيرهم. كما فتحت صفحاتها أمام اتجاهات فكرية وسياسية متحالفة أو متخالفة كالناصرية والبعث والقوميين العرب والسوريين القوميين والعَلمانيين والشيوعيين بمختلف اتجاهاتهم السوفييتية والماوية والتروتسكية.
في 25 آب 2023 قرر طلال سلمان أن يرحل بصمت، من دون أن يكتب عن “السفير” بقدر ما كتب في “السفير”..
طلال سلمان الذي خطّ العروبة لنفسه إيمانا لا يلتوي، لكنها ليست أي عروبة… إنها العروبة التي لا تحيا من دون حرية ومن دون ديمقراطية، قاتل في سبيلها وفي سبيل تكريسها هوية نهائية لوطنه لبنان ووطنه العربي الأرحب، ودفع في سبيل ذلك أثماناً باهظة ودماء وندوب بقيت على خديه السمر حتى آخر نقطة حبر من حياته. إرث غني، به اغتنى لبنان وسيغتني، واغتنى به العرب وسيغتنون.
طلال سلمان يكتب عن نهاية الصحافة في لبنان؟!
قُضي الأمر… انتهى عصر الصحافة المكتوبة.
.. وها هي، خارج لبنان، تعود إلى بيت الطاعة: صحافة حكام وصحافة معارضة مدجنة لا تعبر ـ عن الناس وطموحاتهم ومطالبهم، وانما عن صراع أجنحة السلطة ومعها المعارضات المدجنة. أما في لبنان فتوزعت بين السلطة (وهي طائفية) والمعارضات متعددة الشعار، وهي في أصل تكوينها طائفية..
صحف الحاكم هي الأغنى والأقدر على استقطاب الكتّاب والكوادر المهنية ـ كما انها تكاد تحتكر السوق الاعلانية، رسمية بالأساس، وتجارية وصولاً إلى الاعلانات المبوبة.
فأما الصحف «الطبيعية»، وبغض النظر عن “رسالتها” ومن وما تمثله، وحجم توزيعها في “السوق” فإنها أن هي وجدت “المشترك” فإنها لن تجد “المعلن” وبالتالي فان توزيعها سيظل محدوداً، واستطراداً فان تأثيرها سيبقى محدوداً.
هل من الضروري التذكير بأن الصحافة، وبغض النظر عن مستواها المهني، وعن عقائدية كتّابها ومحرريها أو حيادتهم المغلفة بالأصول المهنية، تبقى ـ من حيث المبدأ ـ في موقع “الملك العام”، طالما انها مطروحة امام “الجميع” بغض النظر عن اديانهم وطوائفهم ومعتقداتهم ومواقفهم السياسية”.
ويضيف صاحب “السفير” قائلا بعد اقفال دار الصياد العريقة في عالم الصحافة العربية عمومًا واللبنانية خصوصًا، في التاريخ نفسه:
من الأخبار المحزنة أن دار الصياد، ذات العراقة والتراث المهني والفني ونتاجها السياسي “الأنوار” و”الصياد” والفني “الشبكة”، ومطبوعات عديدة أخرى بعضها لأزياء الأميرات والفنانات والعارضات الجميلات، وبعضها الأخير للإدارة العامة ومؤسسات الدفاع والأمن في دول الخليج، بعنوان أبي ظبي على وجه الخصوص…
من الأخبار المحزنة أن هذه الدار التي كانت على امتداد عهدها، منذ انطلاقتها مع استقلال لبنان عبر مجلة “الصياد” وحتى اقفالها قسراً، اليوم، إحدى المنارات السياسية والثقافية والفنية في لبنان والمنطقة العربية.
لقد اطفئت “الأنوار” في المبنى الذي كان «جامعة» يتخرج منها الصحافيون والكتّاب المبدعون ورسامو الكاريكاتور.. وقائمة الشرف طويلة تضم نخبة ممن سكنت أسماؤهم وجداننا (غسان كنفاني وجان مشعلاني، سليم نصار، هشام أبو ظهر وغيرهم كثيراً آخرهم القلم الممتاز رفيق خوري).
ولقد عملتُ في دار الصياد عشر سنوات متقطعة، متنقلاً بين إدارة التحرير في مجلة “الصياد” ثم كمحرر متجول لمحاورة القادة وتغطية الأحداث الخطيرة التي تفجرت بها الأرض العربية بين عهد جمال عبد الناصر وأيلول الاسود (1963 ـ 1970).. وصولاً إلى “حرب اكتوبر ـ رمضان 1973”)..
عملت فيها وهي تعيش ضائقة مادية حادة، سرعان ما تلتها انفراجات من دون أن يتخلى سعيد فريحه، وهو أحد ملوك الظرف، عن عشقه للفن والطرب وصداقته مع الكبار الذين لن يتكرروا: أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وصباح وعبد الحليم حافظ ووديع الصافي وفيلمون وهبه… وقد جاء التعبير عن هذا العشق بإنشاء «فرقة الأنوار» كمنافس للرحابنة وفيروز في زمن الازدهار الفني بعنوان مهرجانات بعلبك.
كان سعيد فريحة، الذي نشأ يتيماً وفقيراً وعمل صبي حلاق في حلب، قبل أن يعود إلى بيروت وقد «فك الحرف» وبدأ يمرن نفسه على الكتابة… وعمل في بعض المجلات والصحف التي كانت تصدر آنذاك. ولقد أُعجب سعيد فريحة برياض الصلح، أحد نجوم السياسة في مرحلة استقلال لبنان فرعاه وشجعه على إصدار “الصياد”، خصوصاً وقد لمس لديه شعوره الوطني الصادق معززاً بعروبة صافية.. ونجحت «الصياد» التي اعتمدت فن الكاريكاتور حيث الفكرة أهم من الرسم، سيما وان الهدف السخرية من “الخصوم” والترويج لنزعة الاستقلال والتقارب الجدي مع سوريا.
وحين تفجرت مصر بثورة 23 يوليو (تموز) 1952 بقيادة جمال عبد الناصر، وجد سعيد فريحة “بطله” الذي عوضه غياب رياض الصلح مع انفتاح على أهداف الثورة: العروبة وصولاً إلى دولة الوحدة، ومقاومة الاستعمار، فرنسياً وبريطانيا، ونصرة عبد الناصر وهو يواجه العدوان الثلاثي على مصر (خريف 1956) ثم يتقدم لإنجاز الحلم العربي التاريخي بإقامة أول دولة للوحدة العربية في التاريخ الحديث: الجمهورية العربية المتحدة.
كان طبيعيا، في ظل هذه الفورة القومية، أن يندفع العديد من أهل الصحافة إلى إنشاء المنابر القومية: فأصدر سعيد فريحة “الأنوار”، بعد “الصياد” و”الشبكة” التي عبرت عن “مزاجه” الفني وعلاقته الوطيدة بأهل الفن: ام كلثوم ومحمد عبد الوهاب وصباح وعبد الحليم حافظ الخ..
في غمرة هذا النهوض القومي أصدر رياض طه جريدة “الكفاح العربي” إضافة إلى مجلـة “الأحد” وأصدرت حركة القوميين العرب مجلة “الحرية”، كما أصدر “حزب النجـادة” ـ عدنان الحكيم ـ جريدة “صوت العروبة”، واقترب فريد أبو شهلا من هذا الخط بمجلته “الجمهور الجديد” الخ.
دارت رحى معركة شرسة بين “الانفصاليين” أو “الانعزاليين” و”القوميين”، في وقت كانت صحافة لبنان هي “صحافة العرب”.. خصوصاً وقد استدرج نفوذ عبد الناصر “الرجعية العربية” إلى هذا الميدان عبر جريدة “الحياة” التي بدأت هاشمية مع كامل مروة ثم انحازت إلى السعودية، في حين كانت جريدة “النهار” تمثل وجهة نظر الغرب مع رعاية الكيانية في لبنان، وان بزتها في ذلك جريدة “العمل” الكتائبية، بينما كان للغرب صحفه مباشرة “الأوريان” باللغة الفرنسية لجورج نقاش، التي تعززت في ما بعد بـ”لوجور”، فضلا عن “الدايلي ستار” باللغة الإنكليزية وقد أصدرها كامل مروه أيضاً..
ويخلص طلال سلمان للقول في مقالته اليومية:
هذا حديث عن الماضي الجميل للصحافة في لبنان التي تعكس على صفحاتها مختلف التيارات السياسية والتوجهات الاقتصادية لجيلين أو ثلاثة من أجيال اللبنانيين، بل العرب في مختلف ديارهم، وعلى اختلاف أنظمتهم التي كثيرا ما استخدمت الصحافة في لبنان ميداناً لصراعاتها وخلافاتها السياسية والعقائدية.
ويؤكد أنه “في وداع دار الصياد، بإصداراتها العديدة، سياسياً وفنياً واجتماعيا، تتهاوى إحدى قلاع الصحافة في لبنان والوطن العربي، مشيرة إلى انتهاء عصر الصحافة المكتوبة، التي كانت ـ على تعدد منابرها ـ ساحة نقاش فكري وسياسي واقتصادي واجتماعي، تقدم بيروت كمنارة ثقافية ومولد أفكار وأرض صراع بين العروبة والكيانية، بين الوطنية وسياسة الالتحاق بالأجنبي وعلى حساب الحرية والهوية والقضايا العادلة لهذه الامة بعنوان فلسطين. رحم الله سعيد فريحة أحد الكبار ممن تركوا بصمتهم على مرحلة من أخصب المراحل واشقها وأروعها في تاريخ هذه الامة التي تكاد تضيع عن هويتها كما عن طريقها إلى مستقبلها”.
جورج فؤاد قرداحي
إعلامي وسياسي لبناني، شغل منصب وزير الإعلام منذ سبتمبر 2021 في حكومة نجيب ميقاتي، وحتى استقالته في 3 ديسمبر 2021، وُلد جورج قرداحي بتاريخ 1 أيار / مايو 1950في بلدة فيطرون قضاء كسروان في لبنان وأمضى هناك سنوات طفولته، تلقى تعليمه في كلية سيدة اللويزة في الجامعة اللبنانية، فدرس العلوم السياسية والقانون، ولكن توجهه كان مختلفًا، فبدأ العمل الإعلامي خلال دراسته الجامعية، وحصل على العديد من الشهادات في دوراتٍ تطبيقية ودبلوم في الإعلام المكتوب والمسموع والمقروء من معهد لوفر في فرنسا.
بدأ خلال دراسته الجامعية بالعمل مع جريدة لسان الحال عام 1970، ثم انتقل إلى تلفزيون لبنان في العام 1973، ليعمل مقدمًا للأخبار والبرامج السياسية. انتقل بعد ذلك إلى إذاعة مونت كارلو في باريس، حيث عمل فيها معدًا ومقدمًا للبرامج الإذاعية واستمر في نشر الأخبار لمدة 12 عامًا (من 1979-1991)، انتقل بعد ذلك للعمل في منصب سكرتير تحرير أول ثم رئيس تحريرالإذاعة، وحقق بذلك شهرةً واسعةً ونجاحًا كبيرًا، استمر عامين بالعمل كرئيس تحرير إذاعة مونت كارلو وبعدها انتقل إلى رئاسة تحرير إذاعة الشرق في باريس، التي قضى معها عامين من مشواره الإعلامي ثم انتقل إلى إذاعة (MBC.FM) في لندن في عام 1994 التي كانت تمر بظروف قاسية إلا أنه استطاع أن يعبر بها إلى بر الأمان.
كانت الانطلاقة الحقيقية لجورج قرداحي في عام 2000 حين انتقل للعمل في قناة إم بي سي 1 وبدأ برنامجه العربي الشهير (من سيربح المليون)، وهو برنامجٌ للمسابقات والثقافة العامة، استمر عرض البرنامج لمدة ثلاث سنوات ونال شهرةً لا مثيل لها، انتقل قرداحي بعدها إلى قناة LBC اللبنانية عام 2004، ليقدم برنامجه الجديد (افتح قلبك)، ولكنه ما لبث أن عاد إلى محطة MBC مرة أخرى وأعاد إحياء برنامج من سيربح المليون ولكن مع جائزة مضاعفة ليصبح اسمه (من سيربح المليونين). انتقل جورج قرداحي بعد ذلك إلى برنامج آخر بعنوان (التحدي) في عام 2006.
قدم جورج قرداحي برنامج (القوة العاشرة) بين عامي 2007 و2008، واستمر بالعمل في قناة MBC حتى عام 2011، حين غادرها بسبب خلافاته مع إدارة القناة، بعد أن أدلى ببيانٍ أيّد فيه الحكومة السورية. ثم انتقل للعمل في قناة الميادين التلفزيونية في عام 2012، ثم عمل في قناة الحياة في برنامج (المسامح كريم) في قناة أبو ظبي.
أظهرت نتائج الاستطلاع الذي أجرته إحدى المجلات اللبنانية أن جورج قرداحي هو الشخصية الأكثر شعبيةً في العالم العربي، كما توِّج كأفضل مقدمٍ للبرامج المتنوعة على الصعيد العربي من خلال الاستطلاع الذي أجرته مجلة الصدى. وجاء قرداحي في قائمة أهم وأشهر 100 شخصية عربية التي نشرتها مجلة (أريبيان بزنس) الإماراتية.
شارك جورج في العديد من الحملات الإعلانية، بسبب شعبيته الكبيرة في العالم العربي، من أشهر الحملات التي كان جزءًا منها نستله، موبينيل، كويكر الشوفان، العطور GK، شركة هيونداي موتور، نوكيا. ويتقن قرداحي الإنجليزية والإيطالية والفرنسية، بالإضافة إلى اللغة العربية التي أولاها اهتمامًا خاصًا بدراسة ثقافة الأدب العربي.
حاز على عدة جوائز وألقاب كجائزة (الميركس دور) كأفضل إعلامي في العالم العربي لعام 2007، وحصل أيضا على لقب سفير النوايا الحسنة لمنظمة الأمم المتحدة للبيئة، كما ظهر في عدة إعلانات تلفزيونية، منها عطر باسمه «عطر جورج قرداحي» وشوفان هارفست هو وعائلته.
يحمل قرداحي أيضاً «ميدالية الأرز» اللبنانية من الرئيس إميل لحود مع رتبة قائد، بالإضافة إلى العديد من الجوائز من مختلف المنظمات سواء لإنجازاته المهنية، أو لمساهماته في المجتمع.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »